هل يتعارض قانون ضريبة الأبنية الجديد مع الطبيعة القانونية لحق الدولة على إقليمها؟


جراسا -

د. خالد الدروع/ استاذ القانون الدستوري - كلية الحقوق - جامعة الشرق الأوسط

تمارس الدولة سلطاتها داخل إقليمها بهدف تحقيق الصالح العام، ولكن هذه السلطة ليست مطلقة، بل مقيدة بالقانون والدستور والمبادئ القانونية العامة. وقد أعادت التعديلات الجديدة على قانون ضريبة الأبنية والأراضي في الأردن لعام 2025 فتح باب النقاش حول مدى توافق هذه التعديلات مع المفهوم القانوني لحق الدولة على إقليمها، خاصة في ظل ما أثارته من مخاوف تتعلق بارتفاع قيمة الضريبة، وتأثيرها على حق الملكية الخاصة.

وفي هذا السياق، يُطرح سؤال جوهري: هل يعبّر هذا القانون عن ممارسة مشروعة لسلطة الدولة؟ أم أنه يشكل تجاوزاً لطبيعة العلاقة القانونية التي يفترض أن تربط الدولة بالإقليم والمواطنين؟
أولاً: ما هو حق الدولة على إقليمها؟
يُعرّف الإقليم قانونياً بأنه المجال المكاني الذي تمارس فيه الدولة وظائفها، ولا يعني بالضرورة أن تملك الدولة هذا الإقليم كما يملك الفرد العقار. وقد تناول الفقه هذه العلاقة من خلال ثلاث نظريات رئيسية:
1. نظرية السيادة:
وهي الأكثر شيوعاً، وتعتبر أن للدولة سلطة عليا على إقليمها، ولكن هذه السلطة ليست مطلقة، بل يجب أن تمارس وفق مبدأ سيادة القانون واحترام الحقوق الأساسية، وفي مقدمتها الملكية الخاصة. وهذا ما أشار إليه الفقيه Jellinek حين رأى أن السيادة الإقليمية مشروطة بالمشروعية والعدالة.
2. نظرية الملكية العامة:
تُميز بين ملكية الدولة كسلطة عامة وملكية الأفراد، وترى أن الدولة لا تملك الإقليم كممتلك خاص، بل تمارس عليه سلطة نيابة عن الجماعة الوطنية لتحقيق المنفعة العامة. وهذا ما ذهب إليه Duguit عندما قال إن “الدولة لا تملك بل تدير باسم المجتمع”.
3. نظرية الوظيفة القانونية للإقليم:
وتركز على أن الإقليم هو مجال تُمارس فيه الدولة وظائفها التشريعية والتنفيذية والقضائية، دون أن يكون محلاً للتصرف الحر أو الفرض الجبائي المطلق، بما يحفظ التوازن بين الصالح العام والخاص.
ثانيًا: تحليل مضمون قانون الضريبة الجديد في ضوء هذه النظريات:
عند النظر في مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي الجديد، نلاحظ مجموعة من التوجهات والسياسات التي قد تضعه في حالة تعارض مع النظريات السابقة:
1. ارتفاع تقدير الضريبة بناءً على معايير تجارية بحتة:
القانون الجديد اعتمد على عوامل مثل الموقع والقيمة السوقية والمردود الاقتصادي للعقار. هذا قد يكون مقبولاً من الناحية المالية، لكنه يتجاهل ظروف كثير من المواطنين، خصوصًا الذين لا يحققون دخلاً فعليًا من ممتلكاتهم. هذا يشكل مخالفة لمبدأ التناسب، ويُضعف من مشروعية ممارسة الدولة لسيادتها على الإقليم.
2. فرض الضريبة على أراضٍ غير مستغلة:
القانون يفرض ضريبة على الأراضي الفارغة أو غير المبنية، حتى وإن لم تُستخدم فعلياً. وهذا يؤدي إلى تحميل أصحابها أعباء مالية دون تحقيق منفعة. ويقترب هذا من ما يسمى في الفقه بـ”الانتزاع غير المباشر للملكية”، وهو ما يخالف الدستور الأردني في مادته (11) التي تشترط أن يكون نزع الملكية للمنفعة العامة وبمقابل عادل.
3. انعدام التدرج أو التقدير الاجتماعي:
القانون لم يميز بين من يستخدم العقار فعليًا ومن يحتفظ به دون استغلال، كما لم يراعِ الفرق بين السكن الشخصي والعقار التجاري، ما يخلق مساواة ظالمة تمس العدالة الضريبية.
4. ضعف ضمانات الاعتراض والمراجعة:
بعض النصوص منحت لجان التقدير صلاحيات واسعة دون أن توفّر آليات اعتراض واضحة وسريعة، ما يفتح الباب أمام تجاوزات تُخلّ بمبدأ سيادة القانون، ويقلّص دور القضاء في حماية الملكية.
ثالثًا: هل يتوافق هذا مع الدستور الأردني؟
المادة (11) من الدستور الأردني تنص على أن “الملكية مصونة، ولا يُنزع من أحد ملكه إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل”، وهي مادة تؤكد أن حق الملكية من الحقوق الدستورية التي لا يجوز المساس بها إلا وفق شروط صارمة. فإذا أدى القانون إلى تحميل المواطن ضريبة باهظة لا تتناسب مع دخله أو مع طبيعة استخدام العقار، فقد يتحول من أداة تنظيمية إلى أداة تقييدية تعسفية.
قانون ضريبة الأبنية والأراضي الجديد في الأردن، رغم أنه يستهدف رفع كفاءة التحصيل وتعزيز الموارد المالية، إلا أن بعض بنوده قد تتعارض مع المبادئ القانونية التي تحكم علاقة الدولة بالإقليم. فالدولة ليست مالكًا حُرًّا، بل منظّمًا ومؤتمناً على تحقيق المصلحة العامة دون إهدار لحقوق الأفراد.

ومن هنا، فإن الضرورة تقتضي إعادة تقييم هذا القانون، وإعادة صياغة مواده بما يراعي:
• القدرة الفعلية للمكلفين.
• التدرج في فرض الضرائب.
• توفير آليات واضحة وفعالة للطعن والتظلم.
• ضمان عدم تحويل الضريبة إلى وسيلة غير مباشرة لنزع الملكية.

لأن الدولة، في نهاية المطاف، لا تملك الإقليم بمنطق القوة، بل تديره بمنطق المسؤولية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات