مسؤولون اسرائيليون اتهموه بالكذب و نشروا خبر وفاته بالصحف .. حكاية عدنان أبو حسنة العائد من الموت


جراسا -

وكالات - سمع الناطق الإعلامي باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عن نشر خبر وفاته في صحيفة إسرائيلية، وهو لا يزال على قيد الحياة يعطي مقابلات عن الكوارث الإنسانية في غزة، وجاء الخبر بعد هجوم شديد من قبل مسؤولين إسرائليين اتهموه فيه بالكذب إزاء حديثه عن حجم المعاناة الإنسانية، فتوجت الحملة بنشر خبر عن وفاته.

وأجبرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة -الذي بدأته إسرائيل في الـ27 من كانون الأول/ديسمبر لعام 2008 في إطار عمليتها المسماة "الرصاص المسكوب"- الفصائل الفلسطينية المختلفة على النزول تحت الأرض بما فيها ناطقيها الإعلاميين؛ لأن الاستهداف الإسرائيلي كان شاملا، وطال العديد من المؤسسات الإعلامية والصحفيين.

إلا أن الدور الإعلامي الأبرز كان خلال فترة العمليات الحربية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وناطقيها الإعلاميين في القدس المحتلة وقطاع غزة، وقد برز خلال تلك الفترة الناطق الإعلامي باسم الأونروا "عدنان أبو حسنة"، الذي استطاع أن ينقل باللغات الثلاثة "العربية والإنجليزية والعبرية" حقيقة ما يحدث على الأرض والمعاناة الكبرى والمأساة التي عاشها الفلسطينيون طوال 23 يوما.

حكاية "العائد من الموت"

وقد أكد النائب أبو حسنة خلال حديثه للصحافة أنه تعرض للموت خلال عمليات القتال في غزة سبع مرات، عندما كان يتجول بين المحطات الفضائية خاصة في أوقات متأخرة من الليل، فيما اضطرت قناة أبوظبي الفضائية في إحدى اللقاءات معه إلى قطع البث جراء أصوات الانفجارات العنيفة التي هزت مكتبها في غزة بعنف.

وتحدث أبو حسنة أيضا عن تجربة المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" السيدة كارن أبو زيد التي كانت في غزة وقت عمليات القتال، موضحا أنها لم تغادر مكتبها وبقت لأكثر من 13 يوما مع من تبقى من موظفين أجانب ومحليين كانوا في حال طوارئ دائمة؛ حيث كانوا ينامون في الطابق السفلي في مقر رئاسة الأونروا شمال غرب مدينة غزة.

وعن تجربته الشخصية قال أبو حسنة "كان العمل يبدأ بصورة يومية منذ السادسة صباحا باتصال من معظم الإذاعات والتلفزيونات الإسرائيلية والمحطات الفضائية ويستمر حتى ساعات الفجر الأولى دون توقف، حتى وصل الأمر إلى أنني كنت أقوم أحيانا بإعطاء أكثر من مائة مقابلة يومية ما بين إذاعية وتلفزيونية وجرائد ومجلات".

وأضاف "حافظت على خط إعلامي إنساني يمثل رؤية الأونروا والأمم المتحدة، فيما كان الدافع الأكبر لدي هو مشاهداتي اللحظية لما يحدث لأنني لم أتوقف عن الحركة خلال تلك الفترة".

وأشار إلى "أن الوضع كان خطيرا جدا، والموت في كل مكان، والتنقل كان قاتلا إلا أنني آثرت أداء مهمتي ورسالتي رغم أنني تعرضت سبع مرات لخطر الموت عندما قصفت مبانٍ وعربات كنت أسير بالقرب منها".

ويشير أبو حسنة إلى أنه في إحدى المرات تم استضافته على إحدى الإذاعات العربية هو والناطق باسم الخارجية الإسرائيلي، مضيفا "أصبت بالذهول عندما اتهمني الناطق باسم الخارجية مباشرة بأنني أدلي بتصريحات كاذبة حول حجم الدمار والمعاناة الإنسانية، على الرغم من أننا في الأونروا دقيقون جدا فيما يتعلق بالأرقام، ولا ندلي بتصريحات إلا وفقا لإحصائيات دقيقة مع التزام تام بالخطاب الإعلامي".

وتابع "المفاجأة الأكبر كانت عندما اتصل بي صحفي إسرائيلي في اليوم التالي ليتأكد إن كنت لا زلت على قيد الحياة، بعد أن نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية خبرا بأنني قد قتلت أثناء العمليات العسكرية في غزة".

ويقول إن الخطر أصبح أشد بعد استهداف مقرات تابعة للأمم المتحدة، موضحا "ولكن دافعية العمل وإيصال الرسالة أصبحت أكبر، فيما كان التشجيع المتواصل من قبل مسؤولينا في القدس والمفوض العام للأونروا كارن أبو زيد ومدير عمليات الأونروا جون جينغ كبيرا جدا".

ويتحدت أبو حسنة عن إحدى تجاربه قائلا "في إحدى المرات كنت في مقابلة حية ومباشرة مع قناة أبوظبي الفضائية عندما هزت أرجاء المكتب أصوات قصف عنيف لاحظه مقدم البرنامج واضطر إلى إنهاء المقابلة حفاظا على حياتنا".

ويضيف "وفي طريق عودتي إلى المنزل بعد هذه المقابلة التي قطعت كانت الساعة الحادية عشر والنصف ليلا وكنت وحيدا وشعرت أن أصوات الطائرات فوق رأسي، وعلى الرغم من أنني كنت أقود سيارة ترفع علم الأمم المتحدة وتحمل إشارات UN واضحة، إلا أنني شعرت بلحظة ما أن الموت قادم إلي وقمت بإيقاف سيارتي للحظات وإذا بانفجار هائل يبعد عني مائة متر فقط اضطرني لتغيير مساري والعودة إلى مقر الأونروا والنوم هناك".

وأشار أبو حسنة إلى أن أكثر اللحظات قسوة كانت عندما تم قصف مقر رئاسة الأونروا في غزة، خاصة أنه كان هناك، وقال "كنت في مكتبي بالأونروا عندما احترق مخزن المواد التموينية بالكامل جراء استهدافه وقصفه وأدركت حينها ألا أحد في غزة آمن حتى في مقر رئاسة الأونروا بالشرق الأوسط".

وعن أسرته وأطفاله قال أبو حسنة "أذكر أنني رأيتهم ثلاثة مرات فقط خلال العمليات في غزة، فيما نشب خلاف بين اثنين من أبنائي، أحدهما وهو الأصغر كان يطالبني بمواصلة عملي وتأدية رسالتي، فيما طالبني ابني الأكبر بالحذر خاصة أن ستة من أصدقائه قتلوا من نفس الحارة حيث نعيش".

وعن تجربته الإنسانية، قال إن الكثير من المشاهد أثرت به وأبكته، مضيفا "ولكن ذلك لم يخرجني عن الخطاب الإعلامي للأونروا والذي ركز على نقل المعاناة والاحتياجات والضرورات ضمن سياسة مرسومة كان يصممها مكتبنا في القدس كل صباح".

تأثير على الإسرائيليين


من جانبه يقول سليمان الشافعي رئيس القسم العربي في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أن عدنان أبو حسنة كان بالنسبة للإعلام الإسرائيلي بمثابة البوصلة الموجودة في غزة التي تشير إلى كل ما هو صحيح ودقيق.

وأضاف الشافعي قائلاً أنه في ظل إطلاق النار في كل مكان وخوف الجميع من التحرك بالشارع خوفا من القصف والاستهداف كان أبو حسنة هو الوحيد الذي يمتاز بحرية الحركة وسهولة التواصل معه وسهولة الاستجابة من طرفه، فقد كان ينتقل من مكان إلى مكان، ومن بث إلى بث آخر، ومن فضائية إلى أخرى.

وتابع "أنا كصحفي في القناة الإسرائيلية الثانية لم أكن أعتمد على أي شخص كمصدر موثوق لأخبار دقيقة وصحيحة حول الدمار والخراب والقتل والجانب الإنساني ونقصان المواد الغذائية والأدوية وكل شي في غزة سوى أبو حسنة، الذي يمثل الأونروا كناطق رسمي باسمها"، مضيفا "استقبلته على الهواء مباشرة بصورة شبه يومية وكان يقدم لنا صورة واضحة ودقيقة للجانب الإنساني والدمار الذي لحق بسكان غزة".

وتابع "في ظل انعدام الاتصال مع آخرين جميعهم غير متوفرين أو يخافون من الخروج في الشارع خوفا من الاستهداف كان أبو حسنة متوفر 24 ساعة في اليوم، فهو إلى جانب أنه يمثل الأمم المتحدة فهو يعمل صحفيا، ومن سكان المنطقة ويعرف كل شارع وكل زقاق في غزة، وقد قام بتقديم خدمة كبيرة جدا للصحافة الحرة التي تحاول أن تتوخى الخبر الدقيق".

وأكد على أن "أبو حسنة" أثر كثيرا على المجتمع الإسرائيلي، خاصة أن التفلزيون الإسرائيلي هو مصدر المعلومات الوحيد بالنسبة للإسرائيليين الذين لا يثقون بفضائيات أخرى، مؤكدا على أن ظهوره المتكرر وإجادته للغة العبرية وبالذات في نشرة حصاد اليوم الثامنة مساء، والتي يشاهدها جميع الإسرائيليين ابتداءً من الطفل حتى صانع القرار ساهمت إلى حد بعيد في نقل رؤيا صادقة من غزة.

وزاد "ما من شك أن تصريحاته عما يحدث في غزة من دمار وقتل وإجادته لعرض الجانب الإنساني من الرواية في غزة آذت صناع القرار في إسرائيل، ولكنني كنت دائما حريصا على أن أعرض صورا حية للدمار والقتل والاستهداف، بالإضافة إلى تصريحات "أبو حسنة" فلا يستطيع حتى صناع القرار من إنكار الدمار الذي يتحدث عنه في غزة".

وعن خبر نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت يتعلق بمقل عدنان أبو حسنة خلال العمليات العسكرية في غزة، قال الشافعي إنه قرأ الخبر بالفعل وأصيب بحال من الصدمة والذهول وقام بالاتصال هاتفيا على الفور ليفاجئ أن عدنان على الخط، وهو لا يعلم شيء عما نشر في الصحيفة"، وقال تحدثت له بصورة تلقائية وعفوية قائلا "يحيي العظام وهي رميم.. إنك الشهيد الحي الذي عاد لنا".

تجدر الإشارة إلى أن عدنان أبو حسنة هو إعلامي فلسطيني، انضم للعمل في الأونروا عام 1999، يعمل مستشارا إعلاميا في رئاسة الأونروا وناطق باسمها، ويجيد اللغات العربية والإنجليزية والعبرية، وقد عمل في السابق رئيسا لتحرير عدة صحف، ومتزوج وله أربعة أبناء




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات